شیعة نیوز | الوكالة الشيعية للأنباء | Shia News Agency

0

إستراتیجیة الصلح عند الإمام الحسن (ع)

رمز الخبر: 12426
23:38 - 02 July 2015
إستراتیجیة الصلح عند الإمام الحسن (ع)فلولا أنّ الحسن علیه السلام كان قدوة الصلاح ، وأسوة التضحیات ، وجماع المكرمات ، وكان بالتالی الإمام المؤیَّد بالغیب . لتمزقت نفسه الشریفة بصعود معاویة اریكة الحكم ، وهو الذی قال فیه الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم ) :
 إذا رأیتم معاویة هذا على منبری فاقتلوه ، ولن تفعلوا .
ولولا اتصال قلبه الكبیر بروح الرب إذاً لمات كمداً . حیث كان یرى تقهقر المسلمین وصعود نجم الجاهلیة الجدیدة .
ولولا حلمه العظیم النابع من قوة إیمانه باللـه وتسلیمه لقضائه ، إذاً ما صبر على معاویة . وهو یرقى منبر جده ، ویمزق منشور الرسالة ، ویسب أعظم الناس بعد الرسول .
بلى ، ولكنّ الحسن (علیه السلام) آثر الآخرة على الدنیا . وقبل الصلح للاسباب التالیة :
1- إن نظرة أهل البیت (علیه السلام) إلى الحكم كانت تنبع من انه وسیلةً لتحقیق قیم الرسالة . فإذا مال الناس عن الدین الحق، وغلبت المجتمع الطبقات الفاسدة ، وأرادت تحویل الدین إلى مطیة لمصالحهم اللامشروعة .
فلیذهب الحكم إلى الجحیم .. لتبقى شعلة الرسالة متقدة ، ولتصب كلّ الجهود فی سبیل إصلاح المجتمع أولاً ، وبشتى الوسائل المتاحة .
لقد قال الإمام علی (علیه السلام) عن أسلوب الحكم :
 واللـه ما معاویة بأدهى منّی ، ولكنه یغدر ویفجر . ولولا كراهیة الغدر لكنت من أدهى الناس . ولكن كلّ غُدرة فُجرة وكلّ فُجرة كُفرة ، ولكلّ غادرٍ لواءٌ یُعرف به یوم القیامة . واللـه ما أُستغفل بالمكیدة ولا أُستّغمز بالشدیدة.
أما عن نظرته إلى الحكم ذاته فقد رُوی عن عبد اللـه بن العباس أنه قال :
دخلت على أمیر المؤمنین (علیه السلام) وهو یخصف نعله . فقال لی : ما قیمة هذا النعل ؟.
فقلت : لا قیمة لها .
فقال (علیه السلام) : واللـه لَهِیَ أحبُّ إلیّ من إمرتكم ، إلاّ أن أُقیم حقّاً أو أدفع باطلاً .
2- ولقد عاش الإمام الحسن (علیه السلام) مرحلة هبوط الروح الإیمانیة عند الناس ، وبالذات فی القبائل العربیة التی خرجت من جو الحجاز . وانتشرت فی أراضی الخیر والبركات ، فنسیت رسالتها أو كادت .
فهذه كوفة الجند التی تأسست فی عهد الخلیفة الثانی لتكون حامیة الجیش ، ومنطلقاً لفتوحات المسلمین الشرقیة ، أصبحت الیوم مركزاً لصراع القبائل ، وتسیس العسكر . وأخذ یتبع من یعطی أكثر . فبالرغم من وجود قبائل عربیة حافظت على ولائها للإسلام والحق ، ولخط أهل البیت الرسالی . إلاّ أن معظم القبائل التی استوطنت أرض السواد حیث الخصب والرفاه بدأت تبحث عن العطاء ، حتى أنهم تفرقوا عن القیادة الشرعیة ، وبدأوا یراسلون المتمردین فی الشام حینما عرفوا أنّ معاویة یبذل أموال المسلمین بلا حساب ، بل إنك تجد ابن عمِّ الإمام الحسن وقائد قوات الطلیعة فی جیشه . عبید اللـه بن العباس . یلتحق بمعاویة طمعاً فی دراهمه البالغة ملیون درهمٍ .
ونجد الكوفة تخون مرة أخرى إمام الحق الحسین (علیه السلام) ، حینما یبعث إلیهم ابن عمه مسلم بن عقیل . فیأتیهم ابن زیاد ویمنِّیهم بأن یزید فی عطائهم عشرة . فإذا بهم یمیلون إلیه ویُقاتلون سبط رسول اللـه وأهل بیته بابشع صورة ، ودون أن یسألوا ابن زیاد عمّا یعنیه بكلمة عشرة . فإذا به یزید فی عطائهم عشرة تُمیرات فقط .. ولعلَّهم كانوا یمنون أنفسهم بعشرة دنانیر !!
لقد تعبت الكوفة من الحروب ، وبدأت تفكر فی العیش الرغید . وغاب عنهم أهل البصائر الذین كانوا یحومون حول أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ، ویذكِّرون الناس بالیوم الآخر . ویبیّنون للناس فضائل إمامهم الحق . لقد غاب عنهم الیوم عمار بن یاسر الذی كان ینادی بین الصفیْن فی معركة صِفِّین : الرواحَ إلى الجنة !. ومالك الأشتر الذی كان لعلیٍ (علیه السلام) مثلما كان علیٌّ لرسول اللـه (صلی الله علیه و آله و سلم) بطلاً مقداماً . وقائداً میدانیّاً محنكاً .
وغاب ابن التیهان الذی یعتبره الإمام علی (علیه السلام) أخاً له ، ویتأوه لغیابه ، بلى لقد غاب أهل البصائر من أصحاب الرسول وأنصار علی (علیه السلام) الذین كان أمیر المؤمنین (علیه السلام) یعتمد علیهم فی إدارته للحروب ..
وغاب القائد المقدام ، البطل الهمام ، الإمام علی (علیه السلام) أیضاً ، بعد أن أنهى سیف الغدر حیاته الحافلة بالأسى ، فإنه كان قد صعد المنبر قبیل استشهاده ، وقد نشر المصحف فوق رأسه وهو یدعو ربه ویقول:
 مـــا یحبــــس اشقاكم أن یجیء فیقتلنی ، اللـهمّ إنی قد سئمتهم وسئمونـــی ، فأَرِحْهــــم منّی وأَرِحْنــــی منهــــم  .
وبالرغم من أن الإمام علیّاً(علیه السلام) كان قد جهّز جیشاً لمقارعة معاویة قبیل استشهاده . وهو ذلك الجیش الذی قاده من بعده الإمام الحسن (علیه السلام) إلاّ أنّ خور عزائم الجیش . واختلاف مذاهبه وخیانة قواده ، كان كفیلاً بهزیمته حتى ولو كان الإمام علی (علیه السلام) هو الذی یقوده بنفسه ..
إلاّ أن التقدیر كان فی استشهاد البطل ، وأن یتم الصلح على ید نجله العظیم الذی أخبر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) أن اللـه سوف یُصلح به بین طائفتین من أمته .
ویشهد على ذلك ما جاء فی حدیث مأثور عن الحارث الهمدانی قال :
لمّا مات علیّ (علیه السلام) جاء الناس الى الحسن (علیه السلام) وقالوا : أنت خلیفة أبیك و وصیّه ، ونحن السامعون المطیعون لك ، فمرنا بأمرك فقال :
 كذبتم ، واللـه ما وفیتم لمن كان خیراً منِّی ، فكیف تفون لی ؟. وكیف أطمئن إلیكم ولا اثق بكم ؟. إن كنتم صادقین فموعد ما بینی وبینكم معسكر المدائن فوافوا هناك.
وماذا كان یمكن للإمام الحسن أن یصنعه فی مثل هذه الظروف المعاكسة ؟. هل یسیر فی جیشه بسیــــرة معاویــــة ، ویوزع علیهم أموال المسلمین ، فمــــن رغب عنــــه عالجه بالعسل المسمــــــوم ؟. أم یسیــــــــر بسیرة أبیه حتى ولو كلّفه ذلك سلطته .
لقد ترك السلطة حین علم بأنها لم تعد الوسیلة النظیفة لأداء الرسالة ، و ان هناك وسیلة أفضل وهی الإنسحاب إلى صفوف المعارضة وبث الروح الرسالیة فی الأمة من جدید ، عبر تربیة القیادات ، ونشر الأفكار ، وقیادة المؤمنین الصادقین المعارضین للسلطة وتوسیع نطاق المعارضة . وهكذا فعل (علیه السلام) .
3- وشروط الصلح التی أملاها الإمام على معاویة . وجعلها بذلك مقیاساً لسلامة الحكم ، تشهد على أنه (علیه السلام) كان یخطط لمقاومة الوضع الفاسد ، ولكن عبر وسائل أخرى . لقد جاء فی بعض بنود الصلح ما یلی :
1- أن یعمل ( معاویة ) بكتاب اللـه وسنّة رسوله وسیرة الخلفاء الصالحین .
2- ولیس لمعاویة بن أبی سفیان أن یعهد إلى أحد من بعده عهداً بل یكون الأمر من بعده شورى بین المسلمین .
3- وعلى أن الناس آمنون حیث كانوا من أرض اللـه فی شامهم ، وعراقهم ، وحجازهم ، ویمنهم .
4- وعلى أنّ أصحاب علیّ وشیعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم ..
5- وعلى أن لایبغی للحسن بن علیّ ولا لأخیه الحسین ولا لأحد من أهل بیت رسول اللـه غائلة سراً ولا جهراً ، ولا یخیف أحداً منهم فی أفق من الآفاق.
إن نظرة خاطفة لهذه الشروط تهدینا إلى أنها اشتملت على أهم قواعد النظام الإسلامی من دستوریة الحكم ( على هدى الكتاب والسنّة ) وشوریّة الحكم . وإنه مسؤول عن توفیر الأمن للجمیع وبالذات لقیادة المعارضة ، وهم أهل بیت الرسول . وقـد قبل معاویة بهذه الشروط ، مما جعلها أساساً للنظام عند الناس . وقد وجد الإمام بذلك أفضل طریقة لتبصیر الناس بحقیقته ، وتألیب أصحاب الضمائر والدین علیه ، حین كان یخالف بعض تلك الشروط .
قد تحمّل الإمام الحسن عناءً كبیراً فی إقناع المسلمین بالصلح مع معاویة ، حیث إنّ النفوس التی كانت تلتهب حماساً ، والتی كانت معبأة نفسیّاً ضد معاویة ، كانت تأبى البیعة معه . على أنّ القشریین من طائفة الخوارج كانت ترى كفر من أسلم الأمر إلى معاویة ، وقد قالوا للإمام الحسن (علیه السلام) : ( كفر واللـه الرجل ) .
وقد خطب الإمام بعد صلحه مع معاویة فی الناس وقال :
أیها الناس ‍‍ إنكم لو طلبتم ما بین جابلقا وجابرسا رجلاً جدّه رسول اللـه (صلی الله علیه و آله و سلم) ما وجدتم غیری وغیر أخی . وإن معاویة نازعنی حقّاً هو لی فتركته لصلاح الأمة ، وحقن دمائها . وقد بایعتمونی على أن تسالمــــوا من سالمت ، وقد رأیت أن أُسالمه ، وأن یكون ما صنعت حجةً على مــــن كان یتمنّى هذا الأمــــر ،وإنْ أَدری لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حین .
ومع ذلك فقد عارضه بعض أفضل أصحابه فی ذلك . فقال حجر بن عدی رضوان اللـه علیه له :  أما واللـه لَوَددتُ أنك مت فی ذلك الیوم ، ومتنا معك ولم نَرَ هذا الیوم ، فإنا رجعنا راغمین بما كرهنا ، ورجعوا مسرورین بما أحبّوا  .
ویبدو أن الإمام كره أن یجیبه فی الملأ إلاّ أنه حینما خلا به قال :
" یا حجر قد سمعتُ كلامك فی مجلس معاویة . ولیس كلُّ إنسان یُحب ما تُحب ، ولا رأیه كرأیك ، وإنّی لم أفعل ما فعلت إلاّ إبقاءً علیكم ، واللـه تعالى كلَّ یوم هو فی شأن .
وكان سفیان من شیعة أمیر المؤمنین والحسن (علیه السلام) ، ولكنه دخل على الإمام وعنده رهط من الناس فقال له : السلام علیك یا مُذِلَّ المؤمنین ‍.
فقال له : وعلیك السلام یا سفیان .
یقول سفیان : فنزلت فعقلت راحلتی ثم أتیته فجلست إلیه فقال : كیف قلت یا سفیان ؟‍
قال : قلت : السلام علیك یا مُذِلَّ المؤمنین . واللـه بأبی أنت وأمّی أذللت رقابنا حین أعطیت هذا الطاغیة البیعة ، وسلّمت الأمر إلى اللعین ابن آكلة الأكباد ، ومعك مئة ألف كلّهم یموت دونك ، وقد جمع اللـه علیك أمر النّاس .
فقال :
 یا سفیان إنّا أهل بیت إذا علمنا الحقَّ تمسّكنا به ، وإنّی سمعت علیّاً (علیه السلام) یقول : سمعت رسول اللـه (صلی الله علیه و آله و سلم) یقول : لا تذهب الأیّام واللّیالی حتّى یجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم ، یأكل ولا یشبع ، لا ینظر اللـه إلیه ، ولا یموت حتى لایكون له فی السماء عاذر ، ولا فی الأرض ناصر ، وإنّه لمعاویة . وإنّی عرفتُ أنّ اللـه بالغ أمره .
ثم أذّن المؤذِّن فقمنا إلى حالب یحلب ناقته فتناول الإناء فشرب قائماً ثمّ سقانی وخرجنا نمشی إلى المسجد فقال لی :ما جاء بك یا سفیان ؟
قلت : حُبُّكم والذی بعث محمدّاً بالهدى ودین الحق .
قال : فأبشر یا سفیان فإنّی سمعت علیّاً (علیه السلام) یقول : سمعت رسول اللـه (صلی الله علیه و آله و سلم) یقول : یرد علیَّ الحوض أهل بیتی ومَن أحبّهم من أُمّتی كهاتین - یعنی السبّابتین - أو كهاتین - یعنی السبابة والوسطى - إحداهما تفضل على الأخرى ، أبشر یا سفیان ، فإنّ الدنیا تسع البرّ والفاجر ، حتّى یبعث اللـه إمام الحقّ من آل محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) .
وفی بعض الأحیان كان الإمام الحسن (علیه السلام) یصد على أصحابه ببیعة معاویة . فحین دخل قیس بن سعد بن عبادة الأنصاری صاحب شرطة الخمیس الذی أسسه الإمام علی (علیه السلام) ، دخل على معاویة فقال لــه معاویة : بایع . فنظر قیـــس إلى الحسن (علیه السلام) ، فقال : یا أبا محمّد بایعت ؟. فقال له معاویة أما تنتهــــی ؟. أما واللـه إنّی ....
فقال له قیس : ما شئت . أَمَا واللـه لئن شئت لتناقضت به .
قال : فقام إلیه الحسن وقال له : بایع یا قیس ، فبایع .

النهایةAR/01

منبع:الجوار

إرسال التعليقات
لن يتم نشر التعليقات التي تحتوي على عبارات مسيئة
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رأیکم: