۰

حياة الخمريين في السعودية الوهابية

کد خبر: ۲۱۰۵۳
۱۱:۵۵ - ۰۱ خرداد ۱۳۹۰

كيف يستطيع مراقب معرفة إن كان الخمر منتشراً في السعودية أم لا؟ الأمر بسيط. يكفيه أن يتجول في المحلات التجارية لبيع الأواني المنزلية ليكتشف أن مستلزمات السهرات الخمرية من حاويات ثلج وكؤوس وغيرها ليست فقط متوفرة، بل إن الانواع المعروضة فخمة وأنيقة وتحتل الواجهات الرئيسية لهذه المحلات مما يعني أن أصول الضيافة الخمرية في السعودية لاتقل عراقة عن دول يشكل الخمر جوهر تاريخها.

ويستطيع هذا المراقب الاستعانة بقرينة أخرى وهي حجم مبيعات الثلج في فترة نهاية الاسبوع خلال فصل الشتاء حيث لايبدو للثلج وظيفة طبيعية أخرى.

السعودية هي الدولة الاسلامية الوحيدة التي تحظر الكحول كلياً تطبيقاً للتحريم الشرعي الشامل كل المسكرات. وتطبق بحق كل من يقبض عليه داخلها، وهو في حالة سكر، عقوبة تعزيرية متعددة الدرجات تبدأ بثمانين جلدة أمام الملأ هي الحد الشرعى، إضافة إلى ذلك فان المجتمع شديد النفور من الأشربة الكحولية حتى أنه يعتبر متعاطيها شخصاً بلغ غاية الفساد ومنتهى الانحراف. كان الوضع المنطقي، وفق كل هذه الاحترازات، أن تصبح السعودية مصحاً طبيعياً يقصده كل من يريد الإقلاع عن مقارعة الخمر، لأن إمكانية الحصول على قطرة خمر تشبه محاولة الحصول على لبن العصفور.

المفارقة ليست فقط في حدوث العكس عملياً، بل في أن السعودية أنتجت خمرها الخاص المصنع محلياً المعروف شعبياً باسم "صديقي". وهو عبارة عن نوع من "العرق" يستخلص من تقطير الفواكه.وللإيضاح فإنه لايمت بصلة إلى العرق اللبناني الشهير. ان ماحدث في السعودية، خلال العقود الأربعة الأخيرة، كان من الشواهد الميدانية المبكرة للعولمة.إذ بينما كانت تستقبل ملايين الأشخاص من مختلف الجنسيات للمساهمة في إنجاز خططها التنموية، كان عشرات الآلآف من أبنائها ينطلقون في كل اتجاه للدراسة والتدريب. ونتيجة لهذا الانفتاح المفاجئ والمكثف، كان الخمر أحد اهم وسائل الاتصال والتواصل بين هذا الخليط البشري حتى لكأنه لغة فريدة يتفاهم بواسطتها الجميع على الرغم من تباين دوافع كل فئة. وهكذا أصبح الخمر،مع مرور الوقت، أكثر وفرة وأرخص سعراً. واشتد الطلب عليه حتى غدا من أدبيات الضيافة لدى بعض الأوساط الاجتماعية وتوفر إحدى الخمريات التي يتندر بها الشاربون في جلساتهم صورة مكثفة ومركزة عن حقيقة الحالة الخمرية. خلاصة القصة هي أن سيدة فلبينية أدمنت الخمر بحيث أصبحت حياتها المهنية مهددة بالفشل في الوقت الذي لم ينجح معها أي علاج. ورأى أقربائها أن الحل الوحيد هو البحث لها عن عمل في السعودية حيث لايمكن لها أن تجد خمراً مهما بذلت من جهد مما يجعلها تقلع إضطراراً. وهكذا ذهبت إلى السعودية لكنها عادت بعد سنة وهي في حال اسوأ من ذي قبل بعد أن تم الاستغناء عن خدماتها نتيجة الوضع المزري الذي وصلت إليه. لقد أوقعها حظها في منزل عائلة سعودية ثرية يمتلئ مستودعها بكل أصناف الخمور الفاخرة. وكانت حصة الفلبينية، في نهاية كل سهرة تقيمها العائلة، تشكيلة من بقايا الأنواع التي استهلكها الضيوف مما أتاح لها فرصة الشرب ليلياً إلى أن تغيب عن الوعي من دون حاجة لدفع أي مقابل لذلك.

العرق السعودي: السيرة الذاتية لــ"صديقي" يوشك العرق السعودي المسمى "صديقي" أن يكون الاستهلال لكل سعودي في تذوق طعم الخمر، والبوابة الأولى التي يعبر منها إلى مسارب الخمر وحاناته وأنواعه وأجوائه وصداقاته.

فهو متوافر في كل مدينة مهما صغرت مقارنة بالنوعيات المستوردة، ولايتطلب الوصول إلى بائعيه (وصانعيه في الوقت ذاته) مستوى معيناً من العلاقات الاجتماعية. كما أن سعره في متناول الكثيرين، إضافة إلى كونه المرجعية الوحيدة لكثير من الداخلين الجدد إلى الساحة الخمرية. ويقول السعوديون أن تاريخ ظهور العرق غير معروفا ذ انه جزء من الثقافة الشفوية. ولعل أول مرة يرد له ذكر في نص منشور كان في رواية الكاتب السعودي تركي الحمد "أطياف الأزقة المظلمة"، التي أظهرت أنه كان معروفاً في الستينات الميلادية، مما يرجح احتمال كونه أحد تقليعات أرامكو، ومن ابتكار بعض الكيمائيين العاملين فيها خصوصاً أن طريقة تحضيره متشابهه في أرجاء السعودية كافة مما يرجح وحدة المصدر. ولم يكن في البلد سوى مؤسسة واحدة تستقطب المواطنين من جميع المناطق هي أرامكو. يضاف إلى ذلك أن النوع الذي يحظى بتقدير جمهور العرق يشتهر باسم"عرق أرامكو"

ومهما يكن سبب نشأته فإنه يؤكد أن مبتكريه إما أنهم مستثمرون أذكياء ومغامرون في الوقت ذاته، أو أنهم أفراد مدمنون حاولوا التغلب على ظروف السوق المتقلبة، والاعتماد على أنفسهم لإنتاج حاجاتهم الكحولية ذاتياً عبر الاستفادة من المواد المتوافرة في السوق المحلية، وأهمها الخميرة. أكثر طرق تصنيع العرق شيوعاً هي ( التقطير ) إذ تقطع عدة أنواع من الفواكه ثم توضع في إناء كبير (جالون مثلاً) وتضاف إليها الخميرة ثم يغلق الإناء بإحكام ماعدا فتحة صغيرة يخرج منها أنبوب نهايته مغمورة في الماء، ثم تترك المكونات نحو شهر لتتفاعل تحت درجة حرارة مرتفعة. لذلك فإن الصيف هو الموسم المثالي للتصنيع حيث يدفنه البعض تحت الرمل مما يساهم في التخلص من رائحته النفاذة، ويقلص احتمالات اكتشافه.بينما يضطر المقيمون في المدن إلى تخصيص غرفة تصطليها حرارة الشمس أطول فترة ممكنة إضافة إلى التكييف الساخن أو جهاز تدفئة. أما إذا كان التحضير في الشتاء فإن أفضل مصدر حراري هو موقد يوضع بالقرب من اناء التفاعل. وبعد اكتمال عملية التخمر يحرص البعض على ترشيحه مرات عدة من أجل تنقيته من الشوائب وتصفية لونه.

ويختلف العرق السعودي عن أي مشروب كحولي آخر في كونه غير ثابت التركيز أو الجودة أو الطعم، بل يتغير تبعاً لشخصية صانعه وظروف تحضيره. ومع ذلك فإن له بعض الخصائص المشتركة؛ فهو يعبأ، دائماً، في عبوات بلاستيكية كانت في الأصل عبوات مياه معدنية، ونسبة تركيز الكحول لاتقل عن 60%، كما أن متوسط سعره شبه ثابت إذ يبلغ سعر العبوة نحو 150 ريال. وهو شديد الخطورة صحياً بسبب التركيزالكحولي المكثف، إضافة إلى عوامل سمية أخرى كثيرة نتيجة التصنيع العشوائي. وأبرز مخاطره الصحية التسمم الكحولي الذي يحصد سنوياً أعداداً ليست بسيطة من الضحايا يشترك العرق "صديقي" مع النبيذ في امتلاكه خاصية الندرة والفرادة في الطعم، لكن الفرق بينهما أن الأنواع النادرة من النبيذ تملك سجلاً موثقاً يبين سنة ومكان انتاجها ونسبها العائلي تفصيلاً، بينما كل أنواع العرق فريدة وغير مكررة حتى أن كل عبوة منه تختلف، بدرجة او أخرى، عن أية عبوة غيرها.

والنكهة الوحيدة الثابتة في العرق هي حدته اللاذعة البالغة حد الاشتعال مايجعل محاولة تجرع الكأس الأولى منه عملية تعذيب ذاتية شديدة القسوة والوحشية. لذلك فإن الذي يبدأ رحلته الخمرية بــ"صديقي وينجو من صدمة سكرته، يصبح بعد ذلك من فتوات الخمر الذين لايصرعهم شراب كحولي مهما كان قوياً، لأن الكحوليات الأخرى يصبح لها طعم الماء بعد كأس من "صديقي". ولعل هذا الأمر يفسر سبب مدوامة السعوديين، إن في الداخل أو في السفر، على استهلاك "البلاك ليبل" دون غيره لأنه يمثل المرحلة المتحضرة من بداياتهم العرقية، وهو الأقرب إلى العرق في نسبة الكحول. وربما بلغ معدل الاستهلاك الفردي نصف لتر من الويسكي؛ أي مايعادل كأس واحد من العرق. ولايقتصر شرب العرق على السعوديين وإن كانوا الأكثرية، بل يندر أن يغادر السعودية زائر خمري من غير أن يتذوق طعم "صديقي" ولو من باب الفضول. ويشاع أن كثيراً من الجنود الأمريكيين، خلال حرب الخليج، أعجبوا به كثيراً حتى أن بعضهم حرصوا على شحن أكبر كمية ممكنة عند عودتهم إلى بلادهم.

إلا أن اللافت هو أن السعوديين ليسوا من صناعه البارزين، تاركين هذه المهمة لأجيال من الجنسيات العاملة في بلادهم، بدءاً من الأوروبيين في المرحلة الأولى، مروراَ باليمنيين الذين انقطع نشاطهم مع حرب الخليج، وانتهاءاً بالفلبيين والهنود وغيرهم من الجنسيات العاملة في وظائف دنيا. والحق أن اليمنيين هم السبب في ترويجه على نطاق واسع على الرغم من أنهم لايشربون الخمر بل كانوا يبيعونه للسعوديين من أجل الحصول على مال لشراء القات. أهمية الدور اليمني أنه شكل أول شبكة لبيع العرق عبر البلاد، ومن خلال نقاط بيع لايخطئها أي مستهلك. لقد تمتع اليمنيون بامتيازين: الصناعة والتوزيع إذ كانوا يعملون في محطات الوقود والمطاعم المتناثرة على الطرق الطويلة مما يسهل صناعة العرق بشكل آمن، أما النجاح في التوزيع فكان محصلة لتواتر الأخبار عنهم في الصناعة.

منافذ التهريب لعل المنطقة الشرقية : هي "بازار" الخمر في السعودية؛ فهي أولاَ سوق دائمة الوفرة من الخمور المستوردة ماعدا فترات شح نادرة تعلن، حال حدوثها، أن الجفاف قد عم البلاد حسب تعبيرات الخمريين.وهي، ثانياً، الأرخص سعراً في جميع الأحوال. وهي، ثالثاً، مركز انتاج النوع الوحيد الجيد من العرق المحلي المسمى "عرق أرامكو" تمييزاً له عن بقية الأنواع العشوائية، واعتقاداً أن تحضيره تم داخل مختبرات أرامكو على أيدي بعض فنيي الشركة. وهو النوع الوحيد المعبأ في قوارير زجاجية كانت اصلاً تحتوي كحوليات مستوردة.

هذا الامتياز للمنطقة الشرقية اكتسبته من جهتين: الأولى هي الوجود الراسخ للجاليات الأوروبية التي امتهن بعض فئاتها، خصوصاَ البريطانية ومن ثم الكندية، تجارة الكحول في السعودية عبر استثمار انتشارها في الدول الخليجية لتشكل شبكة استيراد وتصدير بينية نشطة نتيجة تباين الأنظمة الخليجية كحولياً؛ مابين انفتاح كلي كما هو الحال في البحرين، أو تحريم مطلق كما هو في السعودية. لذلك كانت البحرين أبرز منفذ يمول السوق السعودية، سواء كانت مصدرا أصليا أو محطة عبور للشحنات التهريبية القادمة من مصادر أخرى.

جهة الامتياز الثانية تتحدد في الخيارات المتعددة التي توفرها الشواطئ الطويلة للمنطقة الشرقية، إضافة إلى محدودية عرض الخليج العربي مما يقلص مخاطر التهريب، ويرفع احتمالات وصول الشحنات آمنة إلى مستودعاتها داخل السعودية. وعلى الرغم من أن القيمة السوقية الذاتية للمنطقة الشرقية تقلصت في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ افتتاح الجسر مع البحرين بحكم نزوع قاطنيها إلى الاستفادة من ميزة العبور السريع إلى البحرين حيث أصبح بامكان المرء دعوة ضيوفه إلى البحرين يعود بعدها إلى داره لينام مطمئنا وآمناً من مخاطر القبض عليه متلبساً، ومحافظا على صورة اجتماعية نقية، ومتخلصاً من سوق متقلبة وفرة وثمناً.

المصدر الثاني هو المنطقة الشمالية : التي لاتقل أهمية عن المنطقة الشرقية على الرغم من كونها ميناءا برياً إذ تقوم على المبدأ ذاته؛ أي استغلال تبيانات أنظمة وضوابط الدول ذات الصلة. "المفرق" هي محطة التحميل والتنزيل في المنطقة الشمالية، والاسم ذو دلالة مهمة لأنه يحدد منطقة حدودية مشتركة بين السعودية والأردن وسورية ذات هوية رمادية مما يخلق ثغرات رقابية يستغلها المهربون بذكاء سواء في تخزين بضائعهم، أو في الهرب إلى داخل إحدى الدول الثلاث إذا داهمتهم دوريات سلاح الحدود من دولة أخرى، علماً أن السعودية هي الخطر الوحيد لهم لأنها هي سوقهم التي يستهدفون.

المصدر الأساسي هنا هو الأردن، الأمر الذي يشرح سبب استيراده كميات كحول تفوق قدرته الاستهلاكية اضعافا يبقى بعد ذلك ثلاثة منافذ ثانوية تتسرب عبرها كميات قليلة ومحدودة التأثير، أولها ميناء جده. ثانيها وادي الدواسر (جنوب السعودية) الذي يتلقى حصته عبر موانئ اليمن خصوصاً ميناء عدن.

المنفذ الثالث في الرياض : وله أهمية خاصة لأنه يوفر أصنافاً جديدة غير متوافرة في السوق عادة بسبب غلائها ونخبوية مستهلكيها. المصدر الوحيد هنا هو بعض البعثات الدبلوماسية التي تمارس هذه التجارة مستغلة الحصانة الدبلوماسية. وكانت الحكومة السعودية قد عانت كثيراً من بعض السفارات الأفريقية والأمريكية اللاتينية بعدما اكتشفت أن بعض الحاويات الدبلوماسية لهذه السفارات ليس فيها سوى الخمور مما دعاها إلى التشدد في تفتيش الحاويات وهي مسألة كادت أن نثير أزمة دبلوماسية بين السعودية والمجموعة الأوروبية تحديداً. ويستطيع المرء أن يتفهم موقف السعودية إذا عرف أن دبلوماسياً في سفارة دولة لاتينية اسمه الدكتور كريستوفر نسي مهامه الدبلوماسية وتفرغ لبيع الكحول علناً غير آبه بأية اعتبارات حتى أنه كان يستقبل أي اتصال من أي شخص ليسرد عليه الأنواع المتوفرة وأسعارها التي يحددها حسب حال السوق.

هل من الممكن أن يقلع عن الخمر رجل بدأت تجربته الخمرية مع العرق "صديقي" ؟ لو كان الأمر يسيراً ما استحق العرق اسمه اللافت، فهو رفيق الدرب منذ الرشفة الأولى وحتى التعرض إلى التسمم الكحولي.

ارسال نظرات
نظرات حاوی عبارات توهین آمیز منتشر نخواهد شد
نام:
ایمیل:
* نظر: