شیعة نیوز | الوكالة الشيعية للأنباء | Shia News Agency

0

مدينة إعزاز تقاوم ومعها جنود الله

رمز الخبر: 1544
16:00 - 22 November 2012

SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز :

شیعة نیوز: لكن المدارس تهدمت هى الأخرى أو تم إغلاقها، فالحياة شبه متوقفة فى البلدة منذ رمضان الماضى... يردد البعض أن يوم 11 ــ 11 من العام الحالى كان اليوم الأول فى العام الدراسى بالنسبة لتلاميذ إعزاز، إلا أنهم يتلقون الدرس فى المسجد، فمدرسة «طلائع الشعب» حيث التقينا الأستاذ أحمد القرقوبى (مدير المراكز التعليمية فى إعزاز) لا تستقبل الطلاب، بل بعض الأهالى الذين لديهم طلبات يتوجهون بها للأستاذ أحمد. الباب مفتوح للتسجيل فى دورة تحفيظ القرآن، ومفتوح أيضا لتلقى السيدات اللائى جئن لمقابلة القرقوبى الشاب والحصول على نصيبهن من المساعدات السعودية.. يضعون والده ووالدته فى جملة مفيدة ليذكروه ضمنيا أنهم بمثابة أهله، فهو لا يتعدى الخامسة والعشرين من العمر. وجه أسمر نحيل، وشعر ناعم طويل، ولحية كثيفة.. ملامح تحتار فيها وتجعله خارج التصنيف، فنان؟ أم سلفى؟ أم ثائر؟ أم ماذا؟ الإجابة: مدرس. عمل لمدة 11 سنة فى بعض الأنشطة التربوية التابعة لحزب البعث. ويقول مازحا: «هذا مفيد أن أكون خارج التصنيف، أستطيع التعامل مع كل الناس»، ثم يحسم الموضوع: «أنا مسلم سنى.. فقط». ويشير إلى إصابة فى رجله خلال اشتباكات وهو ضمن صفوف الجيش الحر، كما يروى كيف حول بيته ليصبح المركز السعودى، لأن قطر والسعودية هما أكثر من يقدمون المعونة والمساعدات المادية للشعب السورى فى محنته: تمور وغذاء وكتب إلى ما غير ذلك.. وهو يقوم بالتوزيع على الأهالى، إضافة إلى إشرافه على المراكز التعليمية واهتمامه بالمشفى.

مشاعل الإسلام

ينتهز فرصة «فاصل أذان الظهر» لينتقل إلى جامع الشيخ طاهر حيث حلقات الدرس... خدمة تقدم لنحو 200 بنت و200 صبى، بهدف تحفيظ القرآن والتجويد أو تلقين علوم أخرى بشكل غير مألوف بالنسبة للمدارس العادية. معلمات منتقبات يتلفعن بعباءات سوداء واسعة، ويجلسن على الأرض، ترتكز كل واحدة منهن على عمود وحولها مجموعة من الطلاب مثل مجموعة «مشاعل الإسلام»... تحمل إحداهن كتاب الشيخ السورى الأصل والمقيم فى السعودية (جدة) أيمن رشدى سويد، الحاصل على الدكتوراه فى القراءات العشر، إلا أنها تؤكد: «نحن تعلمنا على طريقة الشيخ الغوثانى»، وتقصد الشيخ يحيى الغوثانى، وهو متخصص آخر فى علم القراءات، من أصل سورى ومقيم أيضا فى السعودية. أما شيخ المسجد فيضيف أنهم يستقبلون بعض الزيارات ويتطرقون إلى موضوعات أخرى غير الحفظ والتجويد: «زارنا مؤخرا الدكتور بسام داخل، المتخصص فى الفيزياء النووية من جامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية».

فى السقف أثر لقذيفة سقطت على المسجد، «لكن الحمد لله لم تسفر عن خسائر فى الأرواح»، كما يقول الشيخ الذى لم يكن مسموحا له فى السابق أن يقيم أى نوع من أنواع الأنشطة داخل الجامع، فحتى الدروس والحلقات الدينية كانت تستلزم تصريحا وكانت تتم بصعوبة.

يقف أحد الأطفال وقد وضع على كتفه اسم الرسول الكريم، لم يتجاوز السابعة ويريد أن يصبح جراحا لينقذ المصابين.. وهو يشكل ثنائيا مع زميلة أخرى صغيرة محجبة، كسائر الفتيات داخل المسجد، يتلوان معا نشيدا حول معانى العلم والإيمان... ويرفعان أيديهما إلى أعلى: «تكبييير!!!»، فيدوى صوتهما الرقيق فى المكان.

فى الشارع نشعر مجددا بأن شهر الصيام شكل مرحلة مختلفة فى تاريخ إعزاز، فاللافتات نفسها التى تطالعنا بالتهانى وترسم هلالا مع معايدة «رمضان كريم» تحمل تحتها مباشرة إعلانا عن «دار ودكان للبيع». «نفتح ساعة أو ساعتين فى النهار... أدبر حالى بصعوبة، وأقترض لأعيش..، فلله الحمد لدى بعض الأقارب فى السعودية أستطيع أن ألجأ إليهم».. يستمر فى حلاقة ذقن الزبون، وقد ترك لحيته على طبيعتها دون تشذيب، يشبه تماما صورة أبيه التى علقها وراء ظهره، ولكن الوالد من دون لحية.. فى حين وضع أمام عينيه صورته بالبزة الرسمية، عندما كان يعمل فى الاستخبارات.. التليفزيون يعرض صورا لاجتماعات الدوحة حيث تم الإعلان عن الائتلاف الوطنى لقوى المعارضة والثورة، فيكتفى بالتعليق: «إنشالله خير»، مع إيماءة بالرأس تشير إلى أنه لا مجال للمزيد من الكلام، فهو لا يريد الخوض فى السياسة، حاله كحال العديد من أهل إعزاز الذين اعتادوا الحذر ــ كالسوريين عموما ــ أو ربما استبدلوا خوفا بخوف. على باب أحد أفران الخبز بحارة الأرمن لصق منشورا موقعا بالدم ومختوما من قائد لواء عمرو بن العاص، وقد جاء فيه تحذيرا لكل من تسول له نفسه أن يتحدث بسوء عن أى من المجموعات المجاهدة والمقاتلة بدون دليل، ودعم التحذير بآية قرآنية وحديث شريف، مع تحديد رقم هاتف للتواصل المباشر مع قيادة اللواء، وبالتالى يسهل الإبلاغ عن كل من ينشر الأكاذيب... بالطبع لا تعليق من صاحب الفرن، الذى يفضل العيش فى سلام.. يكفيه تحليق الطيران فوق رءوسهم من وقت لآخر لاستهداف مواقع للجيش الحر، وما يتكبده من خوف ومشقة ليصل مع ابنه يوميا فى الواحدة بعد منتصف الليل حتى يحضر العجين وكل ما يلزم إلى السادسة صباحا. ويقول: «أغلق الباب علىََّ من الداخل. أنا مضطر لأن أبقى، فقد انتهت صلاحية جواز سفرى وطبعا لا أستطيع استصدار آخر، كما لا أستطيع أن أغامر بمدخراتى بالهروب إلى تركيا. الحياة هناك أغلى، ماذا أفعل بعد أن ينفد المال؟ على الأقل هنا أموت فى بيتى.. أدبر حالى من المخبز وأؤجر أرضى لمن يزرعها وآخذ نصف الإيراد».
 

آلاف العالقين على المعبر

تخرج فجأة من وراء المسجد سيارة زرقاء مسرعة كتب عليها لواء التوحيد، دون أن يلتفت إليها أحد ضمن قائدى العربات الذين جاءوا للحصول على بعض البنزين والسولار. يخلط البائع البنزين العراقى الغامق، بالبنزين الأبيض حتى يخفض السعر، فلتر البنزين المخلوط يصل سعره لـ65 ليرة، مقابل 100 ليرة للتر الأبيض الخالص (وكان فى السابق سعره لا يتعدى 25 ليرة). أما البرميل فسعره 470 ليرة فى الأماكن التابعة للنظام، مقابل 1700 فى مناطق الجيش الحر. الجميع يعمل حاليا فى مهن غير التى مارسها من قبل، بائع السحلب كان «حداد مسلح»، وتاجر البنزين كان «سمكرى»، وزميله الملتحى كان طالبا فى سنة رابعة كلية الآداب قسم لغة عربية، إلا أن هويته التى يفصح عنها أو يعرف نفسه بها: « أنا مسلم سنى»... تتكرر الجملة نفسها على ألسنة أهل إعزاز.. وهى ليست سوى مدينة صغيرة تقاوم.

ثم نسمعها مجددا على معبر «السلامة» حيث الخيام تخذلها الريح وبضائع قليلة مهربة. يصرخ أحد العالقين، ضمن ستة آلاف سورى موجودين على هذا الجانب من الحدود منذ رمضان الماضى أيضا: «لا شىء يخيفهم أكثر من قول لا إله إلا الله... العلويون غير مسلمين! أما نحن فمسلمون سنة». تطغى أصوات عربات الإسعاف على صوته، فهى تحمل مصابين جاءوا من حلب حيث أعمال القصف والتدمير مستمرة.. فى المعبر أيضا مكتب إعلامى يسهل المهمات الصحفية.. فيديوهات تحمل شارة ذلك اللواء أو ذاك وتصور عمليات ناجحة، أراد البعض أن يسجل انتصاراته إعلاميا، فى حين تتابع مكاتب شركات النقل والترانزيت على الضفة الأخرى لخدمة من يريدون شحن حاجاتهم.

الوضع هنا أسوأ بكثير منه على بعد كيلومترات قليلة فى مخيم كِلس داخل الحدود التركية، فالخيام غمرتها مياه الأمطار التى هطلت بالأمس، وابتلت الأرض التى فرشت ببطاطين مبتلة هى الأخرى، تحتها طبقة من البلاستيك وبلاطات من الإسمنت. يجرى الأطفال ممسكين بسطل صغير ليسكبوا فيه الطعام... حيث أوانى الطبخ المعدنية العملاقة التى تشرف عليها هيئة الإغاثة. تتصاعد صفارة سيارة الإسعاف مرة أخرى.. الناس هنا يعيشون بين عالم اللجوء وعالم الموتى.


المصدر: الشروق
إرسال التعليقات
لن يتم نشر التعليقات التي تحتوي على عبارات مسيئة
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رأیکم: